عندما كتب جمال الدين الأفغاني [ 1254- 1314 هـ 1838 – 1897 ] عن ضرورة تأسيس نهضتنا الحديثة على الإسلام ، لأن الدين – كما قال – " هو السبب المفرد لسعادة الإنسان , وهو قوام الأمم , وبه فلاحها , وفيه سر سعادتها .. " ..
كان هناك من يتشكك ويشكك في إمكانية وقدرة الإسلام على أن يكون مصدر النهضة الحديثة ,, ولهؤلاء المتشككين كتب جمال الدين الأفغاني فقال :
" إنني أرسل فكري إلى نشأة الأمة التي خملت بعد نباهة .. وأطلب أسباب نهوضها الأول .. إنه : دين قويم الأصول , محكم القواعد شامل لأنواع الحكم , باعث على الألفة , داعٍ إلى المحبة , مزك للنفوس ,مطهر للقلوب من أدران الخسائس , منور للعقول بإشراق الحق من مطالع قضاياه , كافل لكل ما يحتاج إليه الإنسان في مباني الاجتماعات البشرية , وحافظ وجودها , ويتأدى بمعتقديه إلى جميع فروع المدنية ..
فإن كانت هذه شرعة الأمة , ولها وردت , وعنها صدرت , فما تراه من عارض خللها , وهبوط عن مكانتها , إنما يكون من طرح تلك الأصول ونبذها ظهرياً , ففلاحها الناجح إنما يكون برجوعها إلى قواعد دينها , والأخذ بأحكامه على ما كان في بدايته ..
ومن يعجب من قولي :- إن الأصول الدينية الحقة تنشئ للأمم قوة الاتحاد , وائتلاف الشمل , وتفضيل الشرف على لذة الحياة . وتبعثها على اقتناء الفضائل , وتوسيع دائرة المعارف , وتنتهي بها إلى أقصى غاية في المدنية , ومن يعجب من قولي هذا , فإن عجبي من عجبه أشد .. ودونك تاريخ الأمة العربية .. وما كانت عليه قبل الإسلام من الهمجية .. حتى جاءها الدين فوحدها , وقواها ونور عقلها وقوم أخلاقها وسدد أحكامها , فسادت العالم .
ولا سبيل لليأس والقنوط من العودة إلى هذا الطريق , فإن جراثيم الدين متأصلة في النفوس , والقلوب مطمئنة إليه , وفي زواياها نور خفي من محبته , فلا يحتاج القائم بإحياء الأمة إلا إلى نفخة واحدة يسري نفسها في جميع الأرواح لأقرب وقت , فإذا قاموا , وجعلوا أصول دينهم الحقة نصب أعينهم , فلا يعجزهم أن يبلغوا في سيرهم منتهى الكمال الإنساني ..
هكذا تحدث جمال الأفغاني إلى المقلدين المتغربين في القرن التاسع عشر الميلادي – ومنذ ذلك التاريخ جرب المتغربون في بلادنا – من " أبناء بونابرت " ! – كل ألوان التحديث الغربي , فلم يزيدوا الأمة إلا " نحساً وتعساً وشططاً " – كما قال الأفغاني - ..
ومازلنا نحن – في القرن الواحد و العشرين – نلح على هؤلاء المتغربين المقلدين للتحديث الغربي , والدعيين إلى اللحاق والالتحاق بالغرب – مازلنا نلح عليهم كي يميزوا بين " التفاعل " الحضاري , وبين " التبعية .. والتقليد " فهل يعيدون قراءة نصوص الأفعاني من جديد ؟! .. وهل يثوبون إلى رشدهم , فيقلعون عن التقليد للغريب ؟!.