في مواجهة الاستلاب الحضاري , والتغريب للثقافة ومشروع النهضة , دعا جمال الدين الأفغاني [ 1254- 1314 هـ 1838-1897 م] إلى إسلامية المشروع النهضوي , وإلى الإصلاح بالإسلام لأن استقلال الهوية والفكر والثقافة وتميزها هو الشرط الأول لاستقلال الوطن والأمة استقلالاً حقيقيا .. ولقد كتب الأفغاني عن إسلامية مشروع النهضة والإصلاح فقال :
" إن الدين هو قوام الأمم , وبه فلاحها , وفيه سر سعادتها , وعليه مدارها .. وهو السبب المفرد لسعادة الإنسان .. إنه أساس النظام الاجتماعي , ولم يستحكم أساس للتمدن بدون الدين البتة .. وإنا معشر المسلمين , إذا لم يؤسس نهوضنا على قواعد ديننا وقرآننا فلا خير فيه , ولا يمكن التخلص من وصمة انحطاطنا وتأخرنا أي عن هذا الطريق ..
وإن ما نراه اليوم من حالة ظاهرة حسنة فينا [ من حيث الرقي والأخذ بأسباب التمدن ] هو عين التقهقر والانحطاط لأننا في تمدننا هذا مقلدون للأمم الأوروبية , وهو تقليد يجرنا بطبيعته إلى الإعجاب بالأجانب , والاستكانة لهم , والرضا بسلطانهم علينا , وبذلك تتحول صبغة الإسلام التي من شأنها رفع راية السلطة و الغلب , إلى صبغة خمول وضعة واستئناس لحكم الأجنبي .
وإن المقلدين لتمدن الأمم الأخرى ليسوا أرباب تلك العلوم التي ينقلونها .. والتمدن الغربي هو في الحقيقة تمدن للبلاد التي نشأ فيها على نظام الطبيعة وسير الاجتماع الإنساني ... ولقد علمتنا التجارب أن المقلدين من كل أمة , المنتحلين أطواراً غيرها , يكونون فيها منافذ لتطرق الأعداء إليها , وطلائع لجيوش الغالبين وأرباب الغارات يمهدون لهم السبيل ويفتحون لهم الأبواب , ثم يثبتون أقدامهم .
وإن الظهور في مظهر القوة لدفع الكوارث إنما يلزم له التمسك ببعض الأصول التي كان عليها أباء الشرقيين و أسلافهم ولا ضرورة في إيجاد المنعة إلى اجتماع الوسائط وسلوك المسالك التي جمعها وسلكها بعض الدول الغربية الأخرى , ولا ملجئ للشرقي في بدايته أن يقف موقف الأوربي في نهايته , بل ليس له أن يطلب ذلك , وفيما مضى أصدق شاهد على أن من طلبه فقد أوقر نفسه وقراً – ( أي أثقلها ثقلاً ) – وأعجزها وأعوزها " .
هكذا تحدث جمال الدين الأفغاني عن ضرورة إسلامية مشروع النهضة ومنهاج الإصلاح .
§ فالدين الإسلامي هو السبب المفرد لسعادة الإنسان ..
§ والدين هو قوام الأمم , وسبب فلاحها وسر سعادتها ..
§ والدين هو الأساس الأول للنظام الاجتماعي .. وبدونه لن يتأسس تمدن حقيقي ..
§ وما يسمى بالتحديث على النمط الغربي هو عين التقهقر والانحطاط ..
وأخطر ثمرات التقليد للغرب هو الإعجاب به , الأمر الذي يفتح الباب لاستعماره , ويُفقد المقلدين المتغربين الاعتزاز بسلطان الإسلام وغلبته , فيتحولون إلى عملاء حضاريين .. ثم سياسيين يفتحون الأبواب للغزاة , ثم يثبتون أقدام هؤلاء الغزاة .. بل أن بعض هؤلاء المتغربين المقلدين للغرب يعودون إلى أوطانهم على ظهور دبابات الغزو لهذه الأوطان .. لذلك , فنحن محتاجون إلى إعادة قراءة الأفغاني من جديد !.