ashraf nabiel مشرف
عدد الرسائل : 22 العمر : 40 تاريخ التسجيل : 31/05/2007
| موضوع: 5- المكي والمدني من القرآن الثلاثاء يونيو 05, 2007 11:44 am | |
| القول الصحيح في تعريف المكي والمدني من القرآن الكريم. أن القرآن المكي ما نزل قبل الهجرة ولو كان نزوله في غير مكة، وأن القرآن المدني ما نزل بعد الهجرة ولو كان نزوله في غير المدينة. فمثلاً: قوله تعالى: [{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا .. }] هذه الآية الكريمة كان نزولها في عرفة عام حجة الوداع، وقبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بزهاء ثلاثة أشهر، ومع ذلك اعتبرها العلماء من الآيات المدنية، لأن نزولها كان بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة. وقوله تعالى: [{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ } (سورة النساء: الآية 58)] هذه الآية نزلت بمكة وفي جوف الكعبة عام الفتح، ومع ذلك فقد عدها العلماء من الآيات المدنية، لأن نزولها كان بعد الهجرة. وهذا القول كان هو الصحيح، لأنه ضابط حاصر، ومطرد غير مختلف، بخلاف قول من قال بأن القرآن المكي ما نزل بمكة، والمدني ما نزل بالمدينة، أو قول من قال بأن المكي ما بدئ بقوله تعالى: "يا أيها الناس" وأن المدني ما بدئ بقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا". فإن هذين القولين غير مطردين، وغير حاصرين، وغير ضابطين .. فمثلا: هناك آيات لم تنزل لا في مكة ولا في المدينة، كالآيات التي نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم خلال سيره إلى غزوة تبوك لقتال الروم، ومنها قوله تعالى: [{لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ .. } (سورة التوبة: الآية 42)] ومثلا: كثير من الآيات القرآنية لم تبدأ بقوله تعالى: "يا أيها الناس" ولا بقوله سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا" وإنما بدئت بقوله سبحانه يا أيها النبي أو "يا أيها الرسول" أو بغير ذلك. بل أن بعض الآيات التي بدئت بقوله تعالى: "يا أيها الناس" مدنية، كما في قوله تعالى: [{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (سورة البقرة: الآية 21)] فهذه الآية مع بدئها بقوله تعالى "يا أيها الناس" مدنية، لأنها من سورة البقرة، التي اتفق العلماء على أنها من السور المدنية الخالصة. وإذن فالرأي الصحيح: أن القرآن المكي ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعد الهجرة، بصرف النظر عن المكان أو عن المخاطب. ومعرفة أن هذه السورة أو الآيات أو الآية مكية أو مدنية، لا مجال للوصول إليه إلا عن طريق النقل الصحيح عن الصحابة رضي الله عنهم، لأنهم هم وحدهم الذين عاصروا نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وعرفوا ما نزل منه قبل الهجرة، وما نزل منه بعد الهجرة، وما نزل منه في الحضر وما نزل منه في السفر .. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "والله الذي لا إله غيره، ما نزلت سورة من كتاب الله، إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيما نزلت. ولو أعلم أن أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه". وللعلم بمعرفة ما هو مكي من القرآن وما هو مدني فوائد من أهمها: أ. تمييز الناسخ من المنسوخ، فيما إذا وردت آيتان أو آيات من القرآن الكريم في موضوع واحد، وكان الحكم في إحدى هاتين الآيتين أو الآيات للحكم في غيرها، ثم عرف أن بعضها مكي وبعضها مدني، فإننا في هذه الحالة وأمثالها نحكم بأن القرآن المدني منها ناسخ للمكي، لأن القرآن المدني متأخر في النزول عن المكي، والمتأخر ينسخ المتقدم. ب. ومن فوائده أيضا: معرفة التدرج في التشريع، وهذا يترتب عليه الإيمان بسمو السياسة الإسلامية في تربية الأفراد والجماعات. جـ. ومن فوائده كذلك: الاقتناع التام بعناية الصحابة بهذا القرآن الكريم، حيث عرفوا مكيه من مدنيه، وبما بذلوه في ذلك من جهد كبير، دل على حبهم للقرآن الكريم، وعلى اهتمامهم بكل ما يتعلق به من أحكام ومن أسباب نزول. وقد ذكر العلماء ضوابط لمعرفة ما هو مكي وما هو مدني من القرآن، ومن ذلك أنهم قالوا: أ. كل سورة فيها لفظ "كلا" فهي مكية. وقد ذكر هذا اللفظ في القرآن ثلاثا وثلاثين مرة. ويوجد هذا اللفظ في خمس عشرة سورة، كلها في النصف الثاني من القرآن. قالوا: ولعل الحكمة في ذلك: أن النصف الثاني من القرآن معظمه قد نزل قبل الهجرة، وكان يخاطب قوما من الجبابرة المشركين، فكان من المناسب تهديدهم وتبكيتهم بهذا اللفظ، وهو لفظ "كلا" الذي يدل على الزجر والردع. ب. كل سورة اشتملت على آية فيها سجدة تلاوة فهي مكية، كسورة "النجم" وسورة "العلق" وغيرهما. جـ. كل سورة افتتحت بحروف التهجي، فهي مكية، كسور: الأعراف، ويونس، وهود، ويوسف، والرعد، وإبراهيم، والحجر .. ولم يستثن من ذلك سوى سورتي البقرة وآل عمران، فإنهما مدنيتان بالاتفاق. د. كل سورة اشتملت على قصص الأنبياء مع أقوامهم، وعلى قصص غيرهم من الأمم السابقة، فهي مكية، باستثناء سورة البقرة. هـ. كل سورة تحدثت عن قصة آدم وإبليس فهي مكية، باستثناء سورة "البقرة" أيضا .. أما ضوابط السور المدنية فمن أهمها: أ. كل سورة فصلت الحديث عن الحدود والعبادات فهي مدنية. ب. كل سورة فصلت الحديث عن الجهاد ومشروعيته، وآدابه، وفضائله، وأحكامه، فهي مدنية. جـ. كل سورة فصلت الحديث عن المنافقين وأحوالهم ومكرهم، وأوصافهم، ومسالكهم لكيد الدعوة الإسلامية فهي مدنية. وهناك سمات إجمالية، وفروق كلية من حيث الموضوع، نراها في القرآن المكي والمدني، من أهمها ما يأتي: أن السور المكية في مجموعها نراها تتحدث بشيء من التفصيل والإسهاب، عن: إقامة الأدلة المتعددة على وحدانية الله، وعلى أن هذا القرآن من عند الله، وعلى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه، وعلى أن يوم القيامة وما فيه من ثواب وعقاب حق لا ريب فيه .. كما نرى أن السور المكية تهتم بإيراد شبه المشركين، ثم ترد عليها بما يزهقها ويقطع دابرها. ولو أخذنا على سبيل المثال سورة الأنعام التي يغلب على الظن أن نزولها كان في السنة الرابعة من البعثة أي: أنها من السور المكية التي كان نزولها مبكرا لرأينا أن هذه السورة قد تحدثت عن هذه القضايا بشيء من التفصيل والإسهاب. نراها تقيم الأدلة المتنوعة على وحدانية الله تعالى في آيات كثيرة، ومن ذلك قوله تعالى: [{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } (الآية 19 سورة الأنعام)] نراها تقيم الأدلة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه في عشرات الآيات، ومن ذلك قوله تعالى: [{قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ } (الآية 14 سورة الأنعام)] وقوله سبحانه: [{قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} (الآية 50 سورة الأنعام)] نراها تتحدث عن أن يوم القيامة آت لا ريب فيه في آيات كثيرة، ومن ذلك قوله تعالى: [{قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ "15" مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ "16" } (الآيتان: 15، 16 سورة الأنعام)] وقوله عز وجل: [{وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ "27" بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ "28"} (الآيتان: 27، 28 سورة الأنعام)] نراها تسوق لنا ألوانا من شبهات المشركين، ثم ترد عليها بما يدحضها، ومن ذلك قوله سبحانه: [{وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ "8" وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ "9" } (الآيتان: 8، 9 سورة الأنعام)] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة، التي فصلت الحديث عن هذه القضايا. أما السور المدنية فنراها في مجموعها تفصل الحديث عن دقائق التشريع، وتفاصيل الأحكام، وأنواع القوانين المدنية، والجنائية والاجتماعية، وآداب العلاقات الشخصية والعامة، وسائر ضروب العبادات والمعاملات. نراها تفصل الحديث عن أهل الكتاب من حيث عقائدهم، وأحوالهم وعلاقة المسلمين بهم .. نراها تتحدث باستفاضة عن الجهاد في سبيل الله وأحكامه وآدابه وفضله. ولنأخذ على سبيل المثال سورة النساء التي كان نزولها بعد الهجرة، فهي من السور المدنية الخالصة. فإننا نراها في مطلعها تتحدث في خمس آيات شبه متوالية عن حقوق اليتامى، وعن وجوب رعايتهم، وعن المحافظة على أموالهم. ومن ذلك قوله تعالى: [{وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا } (الآية: 2 سورة النساء)] ثم تتحدث في بضع آيات عن حقوق النساء، وعن وجوب إعطائهن مهورهن كاملة، فنقول: [{وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا } (الآية: 4 سورة النساء)] ثم تتحدث بعد ذلك عن كيفية تقسيم التركة، وتبين حق كل وارث، فتقول: [{يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ .. } (الآية: 11 سورة النساء)] ثم تتحدث بعد ذلك عن التوبة المقبولة، وعن التوبة غير المقبولة، وعن النساء اللاتي يحرم الزواج بهن، وعن الإصلاح بين الزوجين .. قال تعالى: [{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا } (الآية: 35 سورة النساء)] ثم تنتقل إلى الحديث عن أهل الكتاب، وعن وجوب تأدية الأمانات إلى أهلها، وعن وجوب أخذ الحذر عند القتال. قال تعالى: [{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا }] ثم عن رذائل المنافقين، ومسالكهم لكيد الدعوة الإسلامية، وعن حكم القتل العمد والقتل الخطأ.. وهكذا نرى أن السور المكية تفصل الحديث عن أصول الإيمان ومكارم الأخلاق، وأنباء الرسل .. أما السور المدنية فتفصل الحديث عن العبادات والمعاملات والعلاقات الإنسانية .. ويبلغ عدد السور المدنية عشرين سورة، وهي: البقرة، آل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، والتوبة، والنور، والأحزاب، ومحمد، والفتح، والحجرات، والحديد، والمجادلة، والحشر، والممتحنة، والجمعة، والمنافقين، والطلاق، والتحريم، والنصر. والسور المختلف في شأنها، أهي مكية أم مدنية: اثنتا عشرة سورة وهي: الفاتحة، والرعد، والرحمن، والصف، والتغابن، والتطفيف، والقدر، والبينة، والزلزلة، والإخلاص، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس. أما السور المكية الخالصة فتبلغ اثنتين وثمانين سورة .. وبذلك يكون عدد سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة. قال الإمام أبو الحسن الحصار في كتابه: الناسخ والمنسوخ، في منظومته التي تحدث فيها عن المكي والمدني والمختلف فيه من سور القرآن الكريم .. وما سوى ذاك مكي تنزله .. فلا تكن من خلاف الناس في حصر فليس كل خلاف جاء معتبرا .. إلا خلاف له حظ من الأثر. وبعد: فهذه نبذة عن السور المكية والمدنية والمختلف فيها، ومن أراد المزيد من معرفة ذلك، فليرجع إلى أمهات الكتب في ذلك، ومنها: "البرهان" للزركشي، و"الإتقان" للسيوطي، و"مناهل العرفان في علوم القرآن" لفضيلة الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني ـ رحمه الله. | |
|